القضية 57 لسنة 33 قضائية "دستورية".جلسة 2/1/2016
بالجلسة العلنية المنعقدة يوم السبت الثاني من
يناير سنة 2016م, الموافق الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة 1437هـ.
برئاسة السيد المستشار/ عدلي محمود منصور رئيس
المحكمة
وعضوية السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي
جبالي ومحمد خيري طه النجار والدكتور عادل عمر شريف وبولس فهمي إسكندر ومحمود محمد
غنيم وحاتم حمد بجاتو نواب رئيس المحكمة
وحضور السيد المستشار الدكتور/ عبد العزيز محمد
سالمان رئيس هيئة المفوضين
وحضور السيد/ محمد ناجى عبد السميع أمين السر.
أصدرت الحكم الآتي
في القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية
العليا برقم 57 لسنة 33 قضائية "دستورية".
الوقائع
حيث إن الوقائع تتحصل, على ما يتبين من صحيفة
الدعوى وسائر الأوراق, في أن البنك المدعي كان قد أقام الدعوى رقم 1144 لسنة 2009
مدني كلي, أمام محكمة شمال الجيزة الابتدائية, ضد شركة قناة السويس للتأمين, طلبًا
للحكم بإلزامها بأداء قيمة وثيقة التأمين رقم 16047/100/11 ضد خطر الحريق بمبلغ
(17.500.000) جنيهًا خلافًا لما يستجد من عوائد وعمولات ومصاريف حتى تمام السداد,
وبجلسة 31 من ديسمبر سنة 2009, قضت تلك المحكمة بسقوط حق المدعي في إقامة الدعوى
بالتقادم, وألزمت البنك المدعي المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وقد تأيد هذا
الحكم بالحكم الصادر في التاسع من يونيو سنة 2010 من محكمة استئناف القاهرة,
مأمورية شمال الجيزة, في الاستئناف رقم 3585 لسنة 127 قضائية, وبناءً على هذا
الحكم, أصدر رئيس الدائرة الأمرين رقمي 508 لسنة 2009, 2010 بتقدير الرسوم
المستحقة في هذه الدعوى بواقع 874500 جنيهًا رسومًا نسبية و437250 جنيهًا رسم
صندوق الخدمات, وأعلن بهما البنك المدعي, فتظلم البنك المدعي منهما طالبًا الحكم
بإلغائهما مع ما يترتب على ذلك من آثار. وأثناء نظر التظلم دفع الحاضر عن البنك
المدعي بعدم دستورية نصوص المواد (14, 16) من القانون رقم 90 لسنة 1944المعدل
بالقانون رقم 7 لسنة 1995 بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية
و(15, 18) من القانون رقم 91 لسنة 1944, المعدل بالقانون رقم 7 لسنة 1995, بشأن
الرسوم أمام المحاكم الشرعية و(13) من القانون رقم 1 لسنة 1948 بالرسوم أمام
المحاكم الحسبية, وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت له برفع الدعوى الدستورية,
فقد أقام الدعوى الماثلة.
المحكمة
بعد الاطلاع على الأوراق, والمداولة.
وحيث إن المادة (14) من القانون رقم 90 لسنة
1944, بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية معدلة بالقانون رقم 7
لسنة 1995, تنص على أن: "يلتزم المدعي بأداء الرسوم المستحقة عند تقديم صحيفة
دعواه إلى قلم الكتاب كما يلتزم بأداء ما يستحق عنها من رسوم أثناء نظرها وحتى
تاريخ قفل باب المرافعة فيها.
وتصبح الرسوم التزامًا على الطرف الذي ألزمه
الحكم بمصروفات الدعوى, وتتم تسويتها على هذا الأساس, ولا يحول الاستئناف دون
تحصيل هذه الرسوم.
وتسلم للمحكوم له صورة تنفيذية من الحكم دون
توقف على تحصيل باقي الرسوم الملتزم بها الغير".
كما تنص المادة (16) من القانون ذاته على أن:
"تقدر الرسوم بأمر يصدر من رئيس المحكمة أو القاضي حسب الأحوال بناء على طلب
قلم الكتاب ويعلن هذا الأمر للمطلوب منه هذا الرسم".
وحيث إن المصلحة الشخصية المباشرة وهي شرط لقبول
الدعوى الدستورية مناطها أن يقوم ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى
الموضوعية, وذلك بأن يكون الحكم الصادر في المسائل الدستورية, لازمًا للفصل في
الطلبات الموضوعية المطروحة أمام محكمة الموضوع, إذ كان ذلك وكانت مصلحة البنك
المدعي في الدعوى الموضوعية تتبلور في إلغاء أمري التقدير المتظلم منهما واللذين
صدرا استنادًا لحكم الفقرة الثانية من المادة (14) من القانون رقم 90 لسنة 1944
بشأن الرسوم القضائية, التي حملت الرسوم الطرف الذي ألزمه الحكم بمصروفات الدعوى,
وقضت بأن تتم تسوية هذه الرسوم على هذا الأساس, إذ يترتب على القضاء في شأن
دستوريتها البت في السند القانوني لالتزام المدعي بأمري التقدير المشار إليهما,
ومن ثم تتوافر للمدعي مصلحة في الطعن على هذه الفقرة فيما نصت عليه من تحميل
الرسوم للطرف الذي ألزمه الحكم بمصروفات الدعوى, وتسويتها على هذا الأساس, دون
سائر الأحكام التي تضمنتها تلك المادة, كما لا تتوافر للمدعي مصلحة في الطعن على
المادة (16) من القانون ذاته, والمواد (15, 18) من القانون رقم 91 لسنة 1944,
المعدل بالقانون رقم 7 لسنة 1995, بشأن الرسوم أمام المحاكم الشرعية و(13) من
القانون رقم 1 لسنة 1948, بالرسوم أمام المحاكم الحسبية, بحسبان أنه لا انعكاس
للأحكام التي تضمنتها جميعًا, على الدعوى الموضوعية وبذلك يتحدد نطاق الدعوى
الماثلة فيما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة (14) من القانون رقم 90 لسنة 1944
بشأن الرسوم القضائية ورسوم التوثيق في المواد المدنية من أن "وتصبح الرسوم
التزامًا على الطرف الذي ألزمه الحكم بمصروفات الدعوى وتتم تسويتها على هذا
الأساس". وحيث إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه إخلاله بحق التقاضي
وإرهاقه بقيود لا يقتضيها تنظيمه, فضلاً على افتئاته على مبدأ سيادة القانون؛
تأسيسًا على أن النص المطعون فيه يفتح الباب لتقدير رسوم باهظة على خاسر الدعوى,
تعد في حقيقتها جزاء على ممارسة حق التقاضي, بما يحول دون المواطنين وحقهم في
اللجوء إلى قاضيهم, ويشكل عدوانًا على حق التقاضي المكفول للناس كافة, الأمر الذي
يخالف نص المادتين (64 و68) من دستور سنة 1971, كما أنه يقيم تمييزًا بين
المواطنين بحسب مقدرتهم المالية, إذ يُعجز غير القادرين على تحمل أعباء الرسوم
الباهظة عن اللجوء إلى القضاء مخالفًا بذلك نص المادة (40) من الدستور عينه, فضلاً
عن مخالفته للمادة الثانية من الدستور, إذ إن مبادئ الشريعة الإسلامية تمنع تقاضي
رسوم من المتقاضين؛ وتجعل رزق القضاة على بيت مال المسلمين.
وحيث إنه من المقرر في قضاء المحكمة الدستورية
العليا أن الطبيعة الآمرة لقواعد الدستور, وعلوها على ما دونها من القواعد
القانونية, وضبطها للقيم التي ينبغي أن تقوم عليها الجماعة, تقتضي إخضاع القواعد
القانونية جميعها, وأيًا كان تاريخ العمل بها, لأحكام الدستور القائم؛ لضمان
اتساقها والمفاهيم التي أتى بها, فلا تتفرق هذه القواعد في مضامينها بين نظم
مختلفة يناقض بعضها البعض بما يحول دون جريانها وفق المقاييس الموضوعية ذاتها التي
تطلبها الدستور القائم كشرط لمشروعيتها الدستورية.
وحيث إن المناعي التي وجهها المدعي إلى النص
المطعون عليه, تندرج تحت المطاعن الموضوعية التي تقوم في مبناها على مخالفة نص
تشريعي معين لقاعدة في الدستور من حيث محتواها الموضوعي, ومن ثم فإن هذه المحكمة
سوف تباشر رقابتها القضائية على ذلك النص في ضوء أحكام الدستور المعدل الصادر سنة
2014, باعتباره الوثيقة
الدستورية التي تحكم شئون البلاد الآن.
وحيث إنه عما ينعاه المدعي من مخالفة النص
المطعون عليه لحق التقاضي وإهداره لمبدأ سيادة القانون, فإن هذا النعي مردود: ذلك
أن المقرر في قضاء هذه المحكمة, أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيم الحقوق, ومن
بينها الحق في التقاضي, هو إطلاقها ما لم يكن الدستور قد فرض في شأن ممارستها
ضوابط محددة باعتبار أن جوهر هذه السلطة هو المفاضلة بين البدائل التي تتصل
بالموضوع محل التنظيم, موازنًا بينها, مرجحًا ما يراه أنسبها لمصالح الجماعة,
وأدناها إلى كفالة أثقل هذه المصالح وزنًا, وأن التنظيم التشريعي لحق التقاضي لا
يتقيد بأشكال جامدة, بل يجوز أن يغاير المشرع فيما بينها, وأن يقرر لكل حال ما
يناسبها, ليظل هذا التنظيم مرنًا يفي بمتطلبات الخصومة القضائية. وحيث إن من
المقرر في قضاء هذه المحكمة أن مناط استحقاق الرسم قانونًا أن يكون مقابل خدمة
محددة بذلها الشخص العام لمن طلبها كمقابل لتكلفتها, وإن لم يكن بمقدارها, ومن ثم
فإن تدخل المشرع بفرض رسوم على الدعاوى القضائية, بوجه عام يكون دائرًا في حدود
سلطته في فرض رسم على أداء خدمة معينة, ذلك أن أساس الحكم بالمصروفات - والرسوم
جزء منها - هو حصول النزاع في الحق الذي حكم به, فإذا كان مسلمًا به ممن وجهت إليه
الدعوى أو كان الغرض من التداعي الكيد للمدعى عليه أو الإضرار به فغرم التداعي يقع
على من أقام الدعوى, وإذا كان الحق منكورًا ممن وجهت إليه الدعوى, فغرم التداعي
يقع على عاتقه, باعتباره المتسبب دون وجه حق في إجراءات الخصومة القضائية, بحسبان
مرفق العدالة أدى له الخدمة التي طلبها كمقابل لتكلفتها عوضًا عما تكبدته الدولة
من نفقة في سبيل تسيير هذا المرفق, بما لا يتعارض ومساهمة المتقاضين في نفقات
تسييره على نحو ما سلف, ولا يقدح فيما تقدم ما زعمه المدعي من أن الرسم المفروض
على خاسر الدعوى قد يكون باهظًا بما يشكل عائقًا يحول دون لجوء المتقاضين لقاضيهم
الطبيعي؛ ذلك أن النص المطعون فيه, في ضوء النطاق المحدد, لم يتناول في أحكامه إلا
إلزام الطرف الذي ألزمه الحكم بمصروفات الدعوى بأداء الرسوم، وأن تتم تسوية هذه
الرسوم على هذا الأساس, وتلك الرسوم تحكمها القواعد المقررة في المواد (1, 3, 9,
21, 75, 76) من قانون الرسوم القضائية رقم 90 لسنة 1944, ويتحملها خاسر الدعوى
وفقًا لأحكام المادتين (184, 186) من قانون المرافعات, بما مؤداه أن المشرع وضع
تنظيمًا متكاملاً لقواعد تقدير الرسوم القضائية وتحديد المتحمل بأدائها أو جزء منها
ابتداءً, كما حدد الملتزم بقيمتها انتهاءً, وهو تنظيم يتأبى معه اجتزاء مادة وحيدة
منه, هي المادة (14) من القانون رقم 90 لسنة 1944, في ضوء النطاق السابق تحديده,
وعزلها عن باقي أحكام هذا التنظيم, وإعطائها دلالة تتناقض مع باقي هذه الأحكام,
ومن ثم لا يعد فرض المشرع لرسوم بمناسبة طلب الخدمة القضائية, ثم إلزام خاسر
الدعوى بها عند صدور الحكم النهائي في الدعوى, حائلاً دون الناس وحقهم في اللجوء
إلى القضاء أو إهدارًا لمبدأ سيادة القانون, ويكون النعي بمخالفة أحكام المادتين
(94 و97) من الدستور غير قائم على سبب صحيح.
وحيث إنه عن النعي بمخالفة المادة (53) من
الدستور, فلما كان النص المطعون فيه يخاطب كل من ألزمه الحكم بالمصروفات, ولا يقيم
تمييزًا بين مراكز قانونية تتحد العناصر التي تكونها, أو يناقض ما بينها من اتساق,
بل يظل المخاطبون به ملتزمين بقواعد موحدة في مضمونها وأثرها, فإن قالة مناقضة
النص المطعون فيه لمبدأ المساواة تكون لغوًا. وحيث إن النعي بمخالفة النص المطعون
فيه لحكم المادة الثانية من الدستور مردود: ذلك أن المقرر في قضاء هذه المحكمة أن
النص في المادة الثانية من الدستور على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي
للتشريع, إنما يتجلى عن دعوة المشرع كي يتخذ من الشريعة الإسلامية مصدرًا رئيسيًا
فيما يسنه من تشريعات تصدر بعد العمل بالتعديل الدستوري, منذ الثاني والعشرين من
مايو سنة 1980, فلا يجوز لنص تشريعي أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها
ودلالتها, باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي لا تحتمل اجتهادًا, ومن ثم لا
يُقبل إقرار أية قاعدة قانونية تخالفها, وليست كذلك الأحكام الظنية في ثبوتها أو
دلالتها أو فيهما معًا, وهي التي تتسع لدائرة الاجتهاد يسطع فيها تنظيمًا لشئون
العباد, ضمانًا لمصالحهم, وهو اجتهاد وإن كان حقًا لأهل الاجتهاد, فأولى أن يكون
هذا الحق مقررًا لولي الأمر, يبذل جهده في استنباط الحكم الشرعي من الدليل
التفصيلي, ويعمل حكم العقل فيما لا نص فيه توصلاً لتقرير قواعد عملية يقتضيها عدل
الله ورحمته بعباده, وتسعها الشريعة الإسلامية التي لا تضفي قدسية على آراء أحد من
الفقهاء في شأن من شئونها, ولا تحول دون مراجعتها وتقييمها وإبدال غيرها بها
بمراعاة المصلحة الحقيقية التي لا تناقض المقاصد العليا للشريعة, فالآراء
الاجتهادية لا تجاوز حجيتها قدر اقتناع أصحابها بها, ولا يساغ بالتالي اعتبارها
شرعًا مقررًا لا يجوز نقضه, وإلا كان ذلك نهيًا عن التأمل والتبصر في دين الله
تعالى وإنكارًا لحقيقة أن الخطأ محتمل في كل اجتهاد, ومن ثم صح القول بأن اجتهاد
أحد من الفقهاء ليس بالضرورة أحق بالإتباع من اجتهاد غيره, وربما كان أضعف الآراء
أكثرها ملاءمة للأوضاع المتغيرة, ولو كان مخالفًا لأقوال كثيرة امتد العمل بها
زمنًا.
وحيث إنه ليس ثمة نص قطعي يقرر حكمًا فاصلاً في
شأن تنظيم إجراءات التقاضي, ولا سيما ما يتعلق بها من رسوم ومصروفات, ومن ثم تنتفي
قالة مخالفة النص المطعون فيه لمبادئ الشريعة الإسلامية. وحيث إن النص المطعون
فيه, لا يخالف أي حكم آخر في الدستور, فإنه يتعين رفض هذه الدعوى.
فلهذه الأسباب
حكمت المحكمة
برفض الدعوى, وبمصادرة الكفالة, وألزمت المدعي
المصروفات ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق