القضية
رقم 49 لسنة 30 ق "دستورية"
الجريدة
الرسمية العدد 10 مكرر ب في 13 / 3 / 2018 ص 3
باسم
الشعب
المحكمة
الدستورية العليا
بالجلسة
العلنية المنعقدة يوم السبت الثالث من مارس سنة 2018م، الموافق الخامس عشر من
جمادى الآخرة سنة 1439ه.
برئاسة
السيد المستشار/ عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة
وعضوية
السادة المستشارين: الدكتور حنفي علي جبالي ومحمد خيري طه النجار والدكتور عادل
عمر شريف وبولس فهمي اسكندر وحاتم حمد بجاتو والدكتور عبد العزيز محمد سالمان نواب
رئيس المحكمة
وحضور
السيد المستشار/ طارق عبد العليم أبو العطا رئيس هيئة المفوضين
وحضور
السيد/ محمد ناجي عبد السميع أمين السر
أصدرت
الحكم الآتي
في
القضية المقيدة بجدول المحكمة الدستورية العليا برقم 49 لسنة 30 قضائية
"دستورية"
----------
الوقائع
حيث
إن الوقائع تتحصل - على ما يتبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - في أن المدعى
عليه الخامس كان قد أقام ضد المدعي الدعوى رقم 846 لسنة 2005 أمام محكمة بيلا
الابتدائية بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدي إليه مبلغ مائتي ألف جنيه تعويضا عن
الأضرار المادية والأدبية التي سببها له، وقال في بيان دعواه إن المدعي وأولاده
كمنوا له ومعهم أسلحة نارية غير مرخصة وآلات حديدية وخشبية بقصد قتله وآخرين عند
حضورهم إلى أرضهم يوم 15/ 6/ 2001 وقاموا بالاعتداء عليهم وإحداث جروح بهم إثر
طلقات نارية من تلك الأسلحة، وذلك للحيلولة دون تنفيذ الحكم الصادر لصالح المدعي
بتسليمه الأرض المتنازع عليها بينهما، وقد حدد المدعى عليه الخاص عنوان المدعي
بصحيفة تلك الدعوى بأنه سجن (440) الصحراوي وجرى إعلانه بها مع مأمور السجن،
وبجلسة 30/ 11/ 2006 قضت المحكمة بإلزام المدعي بأن يؤدي إلى المدعى عليه الخامس
مبلغ عشرة آلاف جنيه تعويضا عن الضرر المادي، ومبلغ خمسة آلاف جنيه تعويضا عن
الضرر الأدبي، فطعن المدعى عليه الخامس على هذا الحكم بالاستئناف رقم 9 لسنة 40
"قضائية"، كما طعن عليه المدعي بالاستئناف رقم 277 لسنة 40
"قضائية" أمام محكمة استئناف طنطا، ودفع أمامها بعدم دستورية نص البند
(7) من المادة (13) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13
لسنة 1968. وإذ قدرت المحكمة جدية الدفع وصرحت للمدعي بإقامة الدعوى الدستورية،
أقام الدعوى المعروضة.
بتاريخ
الثالث من فبراير سنة 2008، أودع المدعي صحيفة هذه الدعوى قلم كتاب المحكمة
الدستورية العليا، طالبا في ختامها الحكم بعدم دستورية نص البند (7) من المادة
(13) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968.
وقدمت
هيئة قضايا الدولة مذكرة، طلبت فيها الحكم برفض الدعوى.
وبعد
تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريرا برأيها.
ونظرت
الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة
اليوم.
المحكمة
بعد
الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
وحيث
إن المادة (10) من قانون المرافعات المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 13 لسنة
1968 تنص على أن: "تسلم الأوراق المطلوبة إعلانها إلى الشخص نفسه أو في موطنه
ويجوز تسليمها في الموطن المختار في الأحوال التي يبينها القانون.
وإذا
لم يجد المحضر الشخص المطلوب إعلانه في موطنه كان عليه أن يسلم الورقة إلى من يقرر
بأنه وكيله أو أنه يعمل في خدمته أو أنه من الساكنين معه من الأزواج
والأصهار".
كما
تنص المادة (11) من قانون المرافعات المدنية والتجارية؛ المستبدلة بالقانون رقم 18
لسنة 1999 على أنه: إذا لم يجد المحضر من يصح تسليم الورقة إليه طبقا للمادة
السابقة أو امتنع من وجده من المذكورين فيها عن التوقيع على الأصل بالاستلام أو عن
استلام الصورة، وجب عليه أن يسلمها في اليوم ذاته إلى مأمور القسم أو المركز أو
العمدة أو شيخ البلد الذي يقع موطن المعلن إليه في دائرته حسب الأحوال وذلك بعد
توقيعه على الأصل بالاستلام.
وعلى
المحضر خلال أربع وعشرين ساعة أن يوجه إلى المعلن إليه في موطنه الأصلي أو المختار
كتابا مسجلا، مرفقا به صورة أخرى من الورقة، يخبره فيه أن الصورة سلمت إلى جهة
الإدارة.
ويجب
على المحضر أن يبين ذلك كله في حينه في أصل الإعلان وصورتيه. ويعتبر الإعلان منتجا
لآثاره من وقت تسليم الصورة إلى من سلمت إليه قانونا".
وحيث إن المادة (13) من قانون المرافعات المدنية والتجارية
تنص على إنه: "فيما عدا ما نص عليه في قوانين خاصة تسلم صورة الإعلان على
الوجه
الآتي: .....
(7) ما يتعلق بالمسجونين يسلم لمأمور السجن ......."
كما تنص المادة (81) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم
396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون على أن: "يكون إعلان المسجونين إلى مدير
السجن أو مأموره أو من يقوم مقامه، ويجب عليه أن يتخذ جميع الوسائل الكفيلة باطلاع
كل مسجون في أقرب وقت على صورة أي حكم أو ورقة تعلن إليه في السجن وتفهيمه ما
تضمنته، وإذا أبدى المسجون رغبة في إرسال صورة الإعلان إلى شخص معين وجب إرسالها
إليه بكتاب موصى عليه وإثبات هذه الإجراءات في سجل خاص".
وحيث
إن المدعي ينعي على النص المطعون فيه، مخالفته لنصوص المواد (40 و68 و69) من دستور
سنة 1971، على سند من أنه إذ لم يتضمن وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها
للمسجون نفسه؛ اكتفاء - لترتيب أثره - بتسليم صورة الإعلان لمأمور السجن، فإنه
يكون قد حرمه من العلم بوجود الخصومة القضائية، ومن ثم المثول أمام قاضي النزاع
وإبداء دفاعه، وما يترتب على ذلك من عدم انعقاد الخصومة في الدعوى؛ وتبعا لذلك؛
بيكون النص المطعون فيه قد مايز بين المدعي وسائر المتقاضين - غير المسجونين -
بالرغم من تكافؤ مركزهم القانوني معه في شأن وجوب كفالة وسائل التحقق من علمهم
بالنزاع القائم، وبذلك يقيم النص المطعون فيه تمييزا تحكميا غير مبرر، وهو ما يعد
إخلالا بمبدأ المساواة وتقييدا لحق التقاضي وإهدارا لحق الدفاع.
وحيث
إن المصلحة الشخصية المباشرة - وهي شرط لقبول الدعوى الدستورية - مناطها أن يكون
ثمة ارتباط بينها وبين المصلحة القائمة في الدعوى الموضوعية، وذلك بأن يكون الحكم
في المسألة الدستورية مؤثرا في الطلبات الموضوعية المرتبطة بها والمطروحة على
محكمة الموضوع. لما كان ذلك، وكانت طلبات المدعي في الدعوى الموضوعية تتمثل في طلب
الحكم ببطلان حكم محكمة أول درجة والقضاء مجددا بإحالة الدعوى إليها؛ استنادا إلى
بطلان الإعلان بالدعوى لعدم تحقق علمه بالخصومة، وكان المدعي يبغي من دعواه
المعروضة الحكم بعدم دستورية نص البند (7) من المادة (13) من قانون المرافعات
المدنية والتجارية، وكان نص هذا البند ذاته يرتبط ارتباطا لا يقبل التجزئة بنص
المادة (81) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم
السجون فيما لم يتضمناه من وجوب إثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون
نفسه، مما مؤداه وجوب مد نطاق الدعوى المعروضة إلى هذا النص الأخير، ومن ثم فإن
مصلحة المدعي الشخصية المباشرة تكون متحققة في الطعن على هذين النصين في النطاق
المشار إليه، على أساس أن الفصل في دستوريتهما سيكون له انعكاس على الدعوى
الموضوعية.
وحيث
إن الرقابة الدستورية على القوانين، من حيث مطابقتها للقواعد الموضوعية التي
تضمنها الدستور، إنما تخضع لأحكام الدستور القائم دون غيره، إذ إن هذه الرقابة
إنما تستهدف أصلا - على ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - صون الدستور القائم
وحمايته من الخروج على أحكامه، وأن نصوص هذا الدستور تمثل دائما القواعد والأصول
التي يقوم عليها نظام الحكم ولها مقام الصدارة بين قواعد النظام العام التي يتعين
التزامها ومراعاتها وإهدار ما يخالفها من التشريعات باعتبارها أسمى القواعد
الآمرة.
وحيث
إنه بالبناء على ما تقدم، فإن هذه المحكمة تباشر رقابتها على النصوص المطعون عليها
في ضوء أحكام دستور سنة 2014 القائم.
وحيث
إن مبنى الطعن مخالفة النص المطعون فيه لأحكام المواد (40 و68 و69) من دستور سنة
1971، وكانت نصوص هذه المواد تتضمن الأحكام الدستورية ذاتها التي تنص عليها المواد
(53 و97 و98) من دستور سنة 2014.
وحيث
إن المقرر - في قضاء هذه المحكمة - أن مبدأ المساواة أمام القانون يتعين تطبيقه
على المواطنين كافة، باعتباره أساس العدل والحرية والسلام الاجتماعي، وعلى تقدير
أن الغاية التي يستهدفها تتمثل أصلا في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور
التمييز التي تنال منها أو تقيد ممارستها، وأضحى هذا المبدأ - في جوهره - وسيلة
لتقرير الحماية القانونية المتكافئة التي لا يقتصر نطاق تطبيقها على الحقوق
والحريات المنصوص عليها في الدستور، بل يمتد مجال إعمالها كذلك إلى تلك التي كفلها
المشرع للمواطنين في حدود سلطته التقديرية، وعلى ضوء ما يرتئيه محققا للصالح
العام. إذ كان ذلك، وكان من المقرر أيضا أن صور التمييز المجافية الدستور، وإن
تعذر حصرها، إلا أن قوامها كل تفرقة أو تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة
تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون، وذلك سواء بإنكار أصل
وجودها أو تعطيل أو انتقاص آثارها بما يحول دون مباشرتها على قدم المساواة الكاملة
بين المؤهلين للانتفاع بها، بما مؤداه أن التمييز المنهي عنه دستوريا هو ما يكون
تحكميا، ذلك أن كل تنظيم تشريعي لا يعتبر مقصودا لذاته، بل لتحقيق أغراض بعينها
يعتبر هذا التنظيم ملبيا لها، وتعكس مشروعية هذه الأغراض إطارا للمصلحة العامة
التي يسعى المشرع لبلوغها متخذا من القواعد القانونية التي يقوم عليها هذا التنظيم
سبيلا إليها. إذ إن ما يصون مبدأ المساواة ولا ينقض محتواه؛ هو ذلك التنظيم الذي
يقيم تقسيما تشريعيا ترتبط فيه النصوص القانونية التي يضمها بالأغراض المشروعة
التي يتوخاها، فإذا قام الدليل على انفصال هذه النصوص عن أهدافها، أو كان اتصال
الوسائل المقاصد واهيا، كان التمييز انفلاتا وعسفا، فلا يكون مشروعا دستوريا.
وحيث
إن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة
- أنها سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل
بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي
يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه
السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخوما
لها ينبغي التزامها، وفي إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال
جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن
يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها
الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها، وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا
التنظيم مرنا، فلا يكون إفراطا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافا بها عن
أهدافها، ولا تفريطا مجافيا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قواما، التزاما
بمقاصدها، باعتبارها شكلا للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالا.
وحيث
إن المقرر كذلك - في قضاء هذه المحكمة - أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون
بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأ
للفصل فيها، وهذا الحق مخول للناس جميعا، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما
تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون
الانتفاع بهذا الحق مقصورا على بعضهم، ولا منصرفا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها،
ولا محملا بعوائق تخص نفرا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى
ذلك الحق، منضبطا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفي إطار من القيود التي يقتضيها
تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.
وحيث
إن حق الدفاع أصالة أو بالوكالة - وفقا لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - قد كفله
الدستور، باعتبار أن ضمانة الدفاع لا يمكن فصلها أو عزلها عن حق التقاضي، ذلك
أنهما يتكاملان ويعملان معا في دائرة الترضية القضائية التي يعتبر اجتناؤها غاية
نهائية للخصومة القضائية، فلا قيمة لحق التقاضي ما لم يكن متساندا لضمانة الدفاع،
مؤكدا لأبعادها، عاملا من أجل إنفاذ مقتضاها. كذلك لا قيمة لضمانة الدفاع بعيدا عن
حق النفاذ إلى القضاء، وإلا كان القول بها وإعمالها واقعا وراء جدران صامتة؛ يؤيد
ذلك أن الحقوق التي يكفلها الدستور أو النظم المعمول بها تتجرد من قيمتها العملية
إذا كان من يطلبها عاجزا عن بلوغها من خلال حق التقاضي، أو كان الخصوم الذين
تتعارض مصالحهم بشأنها لا يتماثلون فيما بينهم في أسلحتهم التي يشرعونها
لاقتضائها، ولا يعدو أن يكون إنكار ضمانة الدفاع أو انتقاصها إخلالا بالحق المقرر
دستوريا لكل مواطن في مجال اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، وليس النزول عليها إلا
توكيدا للحق في الحياة والحرية، حائلا دون اقتحام حدودهما، وذلك سواء أكان إنكار
ضمانة الدفاع أو تقييدها متصلا بحق كل شخص في أن يعرض بنفسه وجهة نظره في شأن
الواقعة محل التداعي، وأن يبين حكم القانون بصددها، أم كان منسحبا إلى الحق في أن
يقيم باختياره محاميا يطمئن إليه لخبرته وملكاته، ويراه - لثقته فيه - أقدر على
تأمين المصالح التي يتوخى حمايتها، ليكون الدفاع عنها فعالا، محيط بالخصومة
القضائية التي تتناولها، نائيا عن الانحدار بمتطلباتها إلى ما دون مستوياتها
الموضوعية التي يمليها التبصر وتفرضها العناية الواجبة.
وحيث
إن المشرع بتقريره النصين المطعون فيهما قد مايز في كفالة كل من حق التقاضي وحق
الدفاع بين المتقاضين من الأشخاص الطبيعيين، إذ قسمهم - في شأن وسائل اتصالهم
بالخصومة في الدعوى المنظورة - إلى فئتين، ووضع لكل منهما نظاما لإعلانهم بتلك
الخصومة يختلف عن الأخرى، بالرغم من تكافؤ المركز القانوني للخصوم في الدعوى
القضائية؛ فاختص الفئة الأولى منهما، المتمثلة في المعلن إليهم غير المسجونين،
بتنظيم تشريعي لتسليم الأوراق المطلوب إعلانها، تتضمن خطوات متتابعة تكفل ضمان علم
المتقاضي المعلن إليه بتلك الأوراق، وذلك على النحو الوارد بنصي المادتين (10)
و(11) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، في حين افترض المشرع تمام هذا العلم
بالنسبة للمعلن إليهم من الفئة الثانية التي تشمل المسجونين، بمجرد تسليم صورة
الإعلان إلى مدير السجن أو مأموره أو من يقوم مقامه، على النحو الذي تضمنه النصان
المطعون فيهما، وكان أولئك المتقاضون من الفئتين المشار إليهما في مركز قانوني
واحد بالنظر إلى وحدة توافر صفة المعلن إليه بأوراق الدعوى في كل منهما؛ مما مؤداه
وجوب خضوع التنظيم القانوني لإثبات تسليم الأوراق المطلوب إعلانها لقواعد إجرائية
وموضوعية وفقا لمقاييس موحدة، سواء في مجال اقتضاء الحق أو التداعي بشأنه، أو في
مجال الحق في سلوك طرق الطعن في الأحكام الصادرة في المنازعات المطروحة أمام
القضاء.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، وكان هذا التمييز بين فئتي المتقاضين على
النحو المتقدم يعد تمييزا تحكميا غير مبرر؛ إذ لم يستند إلى أسس موضوعية تقتضيها
طبيعة المنازعة، دون أن يقدح في ذلك قالة استناد هذا التمييز إلى كون المعلن إليه
مسجونا مما يقتضيه ذلك من تنظيم إعلانه وفقا للنظام القائم في السجون، ودون أن
يؤثر في قيام هذا التمييز التحكمي غير المبرر ما يتضمنه نص المادة (81) من قانون
تنظيم السجون المشار إليه من وجوب أن يتخذ مدير السجن أو مأموره أو من يقوم مقامه
جميع الوسائل الكفيلة باطلاع كل مسجون في أقرب وقت على صورة أي حكم أو ورقة تعلن
إليه في السجن وتفهيمه ما تضمنته، إذ لا يؤدي ذلك في ذاته إلى ضمان ثبوت علم
المسجون المعلن إليه بمضمون الأوراق محل الإعلان، ومن ثم فلا يغني الواجب المشار
إليه عن إثبات واقعة تسليم المسجون المعلن إليه نفسه تلك الأوراق؛ توطئة لعلمه
بمضمونها، ومن ثم يكون النصان المطعون فيهما قد اختصا الفئة الثانية من فئتي
المتقاضين المشار إليهما - وتشمل هذه الفئة المدعي في الدعوى المعروضة - بمعاملة
استثنائية تفتقر إلى الأسس الموضوعية التي تسوغها، بأن حرمتهم من ضمان تسليمهم
الأوراق المراد إعلانها؛ توطئة لإحاطتهم بمضمونها، وكانت هذه المعاملة الاستثنائية
لمجرد كونهم مسجونين، مع أن مساواتهم بأقرانهم أوجب وأولى لكونهم مقيدي الحرية من
ناحية، ولوجودهم في مكان معين معلوم وهو السجن من ناحية أخرى؛ مما مؤداه انعدام
المانع أو الحائل المادي من تسليم الأوراق المطلوب إعلانها إلى أشخاصهم، وتبعا
لذلك؛ يكون هذان النصان قد سلبا المدعي، على خلاف أقرانه من أفراد الفئة الأولى،
حقه في النفاذ إلى القضاء وحرماه من ضمانة الدفاع، بعد أن أضحى عاجزا عن بلوغها
بانتفاء علمه بالإجراءات المقامة ضده، جراء عدم تسلمه أوراقها، والاكتفاء بتسليم
صورة إعلانها إلى القائم على سجنه، وغدا بذلت مسلوبا أسلحته في الدفاع وعرض وجهة
نظره في الواقعة محل التداعي في مواجهة خصومه الذين تتعارض مصالحهم معه بشأنها؛
بالرغم من وجوب تماثلهم جميعا في تلك الضمانات، وبذلك يكون النصان المطعون فيهما
قد أخلا بمبدأ المساواة، وقيدا حق التقاضي، وأهدرا حق الدفاع؛ بما يتعين معه
القضاء بعدم دستوريتهما.
وحيث
إن مقتضى حكم المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم
48 لسنة 1979 هو عدم تطبيق النص المقضي بعدم دستوريته على الوقائع اللاحقة لليوم
التالي لنشر الحكم الصادر بذلك، وكذلك على الوقائع السابقة على هذا النشر إلا ما
أستقر من حقوق ومراكز صدرت بشأنها أحكام حازت قوة الأمر المقضي، أو إذا حدد الحكم
الصادر بعدم الدستورية تاريخا آخر لسريانه.
وحيث
إنه لما كان ذلك، وكان إعمال الأثر الرجعي للحكم بعدم دستورية النصين المطعون
فيهما سيؤدي إلى زعزعة المراكز القانونية التي استقرت المتقاضين الذين طبق عليهم
حكم هذين النصين؛ ومن ثم فإن هذه المحكمة ترى، حفاظا منها على ما استقر من هذه
المراكز القانونية، إعمال الرخصة المخولة لها بنص الفقرة الثالثة من المادة (49)
من قانونها، وتحدد لسريان هذا الحكم تاريخا آخر؛ هو اليوم التالي لنشره في الجريدة
الرسمية، وذلك دون إخلال باستفادة المدعي من هذا الحكم.
فلهذه
الأسباب
حكمت
المحكمة:
أولا:
بعدم دستورية نص البند (7) من المادة (13) من قانون المرافعات المدنية والتجارية
الصادر بالقانون رقم 13 لسنة 1968، ونص المادة (81) من قرار رئيس الجمهورية
بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون؛ فيما لم يتضمناه من وجوب إثبات
تسليم الأوراق المطلوب إعلانها للمسجون نفسه.
ثانيا
: بتحديد اليوم التالي لنشر هذا الحكم تاريخا لإعمال أثره، دون إخلال باستفادة
المدعي منه
ثالثا:
بإلزام الحكومة المصروفات، ومبلغ مائتي جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق